السبت، 23 يوليو 2011



قراءة في اللائحة التنظيمية للنشر الإلكتروني بالمملكة العربية السعودية


                                                                        إعداد: أحمد العيسائي
23/7/2011


المقدمة:
            شهد مجال النشر الإلكتروني العديد من التطوّرات منذ ظهوره وحتى يومنا هذا، حيث قدّمت تلك التطورات العديد من المميزات للنشر الإلكتروني، وتخطّت الكثير من الصعوبات التي واجهت النشر الورقي التقليدي.
            ومع تزايد النشر الإلكتروني وانتشاره الكبير كان لزاماً على الهيئات والمؤسسات المختصّة القيام بتنظيم عملية النشر، وسن القوانين والتشريعات التي تكفل الحقوق والواجبات، وتحدّد المسؤوليات و إلى ما هنالك من الأمور الأخرى. وفي ضوء ذلك سنقوم باستعراض اللائحة التنظيمية للنشر الإلكتروني بالمملكة العربية السعودية، المنشورة في الأوّل من يناير لعام 2011م، حيث نسعى من خلال ذلك إلى التعرّف على تلك اللائحة وقوانينها، وقراءة آراء المؤيدين والمعارضين لتلك اللائحة، مع بيان رأيي الشخصي تجاه تلك اللائحة التنظيمية.

1. مؤيدو اللائحة التنظيمية للنشر الإلكتروني بالمملكة العربية السعودية:
            يمكن حصر النقاط التي ارتكز عليها القائلون بتأييد لائحة تنظيم النشر الإلكتروني بالمملكة العربية السعودية إلى الآتي:
- أنّ هذه اللائحة لم توضع لفرض قيود أو رقابة على مجال النشر الإلكتروني بل تهدف إلى تنظيم هذه العملية.
- ستكون هذه اللائحة محط دراسة ونظر، مع السماح بالطعن وتقديم الاقتراحات إلى وزارة الثقافة والإعلام، وقابليّة خضوعها للتعديل من قبل الوزير المسئول على تلك الوزارة.
- قيام تلك اللائحة وتكفّلها بحفظ حقوق الملكية الفكرية، حيث أنّ عملية تسجيل اسم الصحيفة أو اسم الموقع على سبيل المثال في وزارة الثقافة والإعلام كفيل بأن يكون دليلاً قاطعاً على امتلاك ذلك المسمى للشخص المسجل باسمه في الوزارة، وبالتالي يضمن ذلك حقوق المؤسسات وأصحاب المواقع الشخصية وغيرهم. أضف إلى ذلك  أنّ هذه اللائحة ستوفّــّر مرجعية قانونية في سبيل مواجهة السطو مثلاً على الإنتاج الفكري للكتـّاب والمؤلّفين.
- قيام هذه اللائحة بحماية الصحّف الالكترونية وحفظها لحقوق العاملين في مجال النشر الالكتروني، ويعطي تلك الصحف غطاءً رسمياً يمكنها من تطوير نفسها والرّقي بمستوى أدائها إلى الأفضل، كما ستشعِر الصحف الإلكترونية بالاستقرار وتدفعها للعمل المؤسساتي.
- الحاجة إلى تنظيم عملية النشر الالكتروني مع ما تشهده المرحلة الحالية من تجاوزات، خاصة فيما يخص استهداف رموز من السلطة بعينها واستهدافهم بالألفاظ البذيئة والتجريح المباشر. بالتالي ستحفظ هذه اللائحة حق الآخرين في أن لا يكونوا عرضة للتجريح أو القذف أو السب.
- هذه اللائحة ستمنح المواقع الالكترونية الترخيص والاعتراف الذي يمكنها من الحصول على المعلومة الصحيحة، من مصادرها الموثوقة.
- هذه اللائحة هي بادرة للاهتمام بالمحتوى الالكتروني على الانترنت وبهذه الطريقة ستكون الرقابة أعلى وأفضل، وستحقق قدراً من المصداقية فيما ينشر لاحقاً، وستقضي على فوضى النشر عبر الإنترنت.
- ستؤدي اللائحة إلى التخفيف من آثار القرصنة التي تسببت بخسائر كبيرة ولفئات كثيرة من البشر.
- اللائحة تعرض  على أصحاب المدوَّنات التسجيل، وليس الحصول على ترخيص.
- المساءلة القانونية لصاحب مصدر النشر الإلكتروني تكون في حال نشره لأمور غير لائقة كشتم الأشخاص أو انتقاد أحد في عرضه أو شرفه أو الاتهام بالتزوير والرشوة، وما إلى ذلك.
- ستؤدي قوانين هذه اللائحة إلى حماية المجتمع بشكل عام من كلّ سيئ يبث عبر وسائط النشر الإلكتروني، حيث سيكون المحتوى خاضعاً للرّقابة المستمرّة.

2. معارضو اللائحة التنظيمية للنشر الإلكتروني بالمملكة العربية السعودية:
            يمكن حصر النقاط التي ارتكز عليها القائلون بمعارضة لائحة تنظيم النشر الإلكتروني بالمملكة العربية السعودية إلى الآتي:
-  هذه اللائحة تستهدف الحد من حرية التعبير، وتضييق الخناق على الكتاب والمدوّنين، وهي تستهدف تكميم الأفواه التي تتحدث بلغة مغايرة لتلك اللغة التي يتحدث بها الإعلام المساير للحكومة.
- سوف يدفع تطبيق هذه اللائحة بالشباب والكتاب إلى التوجه نحو مواقع مشبوهة تستهدف كيان البلد وهويته، وربما تكون هذه المواقع أدهى وأمرّ مما هو موجود بالسعودية، وربما تدفع العديد من المواقع الأخرى التي يمتلكها السعوديون وغير السعوديين، للهجرة نحو الخارج.
- فرض اللائحة واشتراطها الموافقة على رئيس تحرير الصحيفة هو مصادرة للحريّة والملكية، خاصة في حال عدم قبول الوزارة بمالك الصحيفة أن يكون رئيساً لتحرير صحيفته.
- تسمح اللائحة للسعوديين فقط بالحصول على ترخيص لمواقع الإنترنت التابعة للصحف المطبوعة، ومواقع الأخبار على الإنترنت ومواقع الإنترنت التي تضم مواداً سمعية وبصرية، وخدمات إرسال الرسائل النصية على الهواتف النقالة والأخبار والإعلانات والصور وغير ذلك من أصناف المحتوى، مما يستبعد ثلث سكان السعودية.
- هذه اللائحة صدرت نتيجة انتشار العديد من المواقع الإخبارية في السنوات القليلة الماضية، مع غياب وسائل السيطرة عليها.
- لا يمكن لهذه اللائحة أن تكون مرجعاً قانونياً لممارسة الأفراد لحرية التعبير على الإنترنت، لأنّ الإنترنت هو عالم افتراضي ولا يشترط أن يكون مؤسسي حقيقي، وأنّه من الصّعب بل من المستحيل فرض السيطرة الرقابية على فضاءات الإنترنت، خاصة في ما يتعلق بصحافة المواطن (فيسبوك، تويتر، يوتيوب).
- تتسم شروط اللائحة لممارسة النشاط الإلكتروني بالضبابية.

3. رأيي وموقفي الشخصي:
            أنا لا أتّفق بالكل مع هذه اللائحة، كما لا أعارض أيضاً بالكل هذه اللائحة، حيث يوجد فيها الكثير مما هو جيّد، كما يوجد فيها ما هو محتاج إلى التعديل والتصحيح.

            أ. لماذا أؤيّد:
            أقول وبالله التوفيق أنّ عملية النشر الإلكتروني تحتاج إلى شيء من التنظيم والحصر، وهذا ما سعت إليه اللائحة السابقة، حيث أتّفق في أنّ عملية التسجيل لهذه المواقع سوف توفر إحصائيّات ممتازة يمكن الاستفادة منها في إجراء البحوث والدراسات في مجال الإعلام الالكتروني وغيرها من التخصصات ذات العلاقة بالإعلام بشكل عام.
كما ستقدم هذه اللائحة الحماية للمجتمع من الممارسات الخاطئة في النشر الإلكتروني، كما ستحفظ حقوق أصحاب المواقع من عمليات سرقة أسماء مواقعهم واستخدامها من قبل مواقع أخرى، أضف إلى ذلك تسهيل الوصول إلى أصحاب المواقع المخالفة والمقدم ضدّها أيّة دعوى، إلى غير ذلك من الفوائد الأخرى.           
            من جانب آخر فإنّ هذه اللائحة وضعت محل مناقشة وأنّ الوزير على استعداد تام لتغيير أية مادة يراها غير صالحة، كما أن توجه هذه اللائحة هو النّفاذ إلى محتوى شبكة الإنترنت ومحاولة تقليل ما ينشر من معلومات كاذبة أو مضللة، واستبدالها بالمعلومات الموثوقة والصحيحة.

            ب. لماذا أعارض:
            تتمثل معارضتي لهذه اللائحة إلى مساسها المباشر بالكتـّاب حيث تنص صراحة على مسؤولية رئيس تحرير الصحيفة أو من ينوب عنه عن كل ما تنشره الصحيفة وقس على ذلك باقي المواقع الأخرى، بالتالي سيكون هناك تخوّف وقلق لدى الكتـّاب والمثقفين في ما ينشرونه، لأنه بذلك قد ترفع ضدهم دعاوى على أتفه المواضيع التي نشروها أو سمحوا بنشرها، وهذا يتنافى مع حرية الرأي والتعبير الهادف والبنّاء.
            أضف إلى ذلك أنّ حرية الإعلام سوف تتلاشى نتيجة لكون رئيس تحرير الصحيفة هو من المسلّم به من قبل الوزارة وموثوق به، وهذا يدعوا إلى شك وريب كبير في النزاهة التي ستتمتع بها تلك الصحيفة.
            كما أنّ عملية التسجيل والتجديد لكل ثلاث سنوات يستهلك الكثير من الوقت والجهد ويتنافى مع تسهيل الإجراءات، بل أنه يضع العراقيل أمام عملية النشر الإلكتروني.
            أضف إلى ذلك  أن عدم السّماح لغير السعوديين في الحصول على ترخيص لمواقع الإنترنت التابعة للصحف المطبوعة، ومواقع الأخبار على الإنترنت ومواقع الإنترنت التي تضم مواداً سمعية وبصرية، وخدمات إرسال الرسائل النصية على الهواتف النقالة والأخبار والإعلانات والصور وغير ذلك من أصناف المحتوى، سوف يستبعد شريحة واسعة من المستخدمين للنشر الإلكتروني بالمملكة.
بالتالي لابدّ من تعديل لهذه اللائحة، بما يخدم النشر الإلكتروني الهادف والمسّهل لعملية التعليم والتثقيف.


* * * تم بحمد الله * * *